نشرالمسرحي (ممثلا ومخرجا ومؤلفا) وأستاذ الفلسفة عباس جدة نصا حكيما وصريحاعلى صفحته الفايسبوكية يقترح من خلاله سبعة أمور للنهوض بالمسرح نعيد نشره تعميما للفائدة عله يثير نقاشا مثمرا بين المهتمين والمتتبعين للشأن المسرحي ببلادنا.
سبعة من أجل النهوض بالمسرح :
كل واحد ممن يعتبر نفسه مسرحيا، يتباهى بنفسه، لايتكلم سوى عن الذات وعن أعماله رغم تواضعها، بوصفه المسرحي المبدع الوحيد في هذه البلاد الشاسعة. لا ينصت لتجارب الآخرين، لا يقبل النقد والملاحظة، يستصغر زملاءه المسرحيين، لا يشاهد عروضهم، يتكلم فيهم بالسوء و ينعتهم بالمتطفلين على الميدان، يشتكي من قلة الإمكانيات، من الحصار المضروب عليه من طرف الآخرين من الزملاء ومن اللوبي الذي يتخفى في مكاتب وزارة الثقافة، من عدم تشجيع الدولة للفن وللفنانين المسرحيين بإنشاء مسارح ضخمة وبتقديم منح مالية كافية للفرق النشيطة وعلى رأسها فرقتة التي لا تضم سوى زوجته وإبنة خالته.
لنكن صرحاء فيما بيننا ! لنتحلى بشيء من الصدق والنزاهة مع أنفسنا ! لنكف عن الكذب على أنفسنا وعلى الجمهور! لنقل في العلن والسر: إننا كجيلين من رجال ونساء المسرح (منذ بداية السبعينات على الأقل إلى يومنا هذا) لم نفلح في خدمة أبي الفنون ! وأن أزمة المسرح ببلادنا وفي العالم العربي هي أزمة خلق وإبداع، وليست أزمة إمكانيات مادية ومنح وبنيات تحتية ! تقصير في الفعل المسرحي، ارتجال وتخبط، عجز على العطاء ، شح الخيال، وقصور في المخيلة ، تلك هي التجليات الرئيسية لبؤس مسرحنا.
ليعلم الجميع، أن لا نهوض بالمسرح إلا بالإلتزام بهذه الشروط الأولية التالية :
1- الموهبة : لا فن بدون موهبة واستعداد طبيعي ومؤهلات ذاتية كامنة فينا منذ الطفولة. فالممثل الذي لا يأنس في نفسه القدرة على التمثيل أو لا يشعر برغبة تلقائية وملحة - منذ الطفولة أو على الأقل منذ مرحلة المراهقة، مع بعض الإستثناءات بالطبع- في فعل المحاكاة والتشخيص والتعبير باليدين وبالوجه والجسد، فالمطلوب منه أن يبتعد عن مهنة التمثيل. تشكل الموهبة المادة الخام الضرورية لكل عمل فني. فإما أن تكون ممثلا أو مخرجا أو كاتبا مسرحيا موهوبا أو لا تكون.
2- التكوين الفني والمسرحي: الكثير من مسرحيينا المغاربة والعرب يشتغلون بدون تكوين فكري وفني. وأقصد بالمسرحيين الكتاب والمخرجين والممثلين والتقنيين. ومع ذلك لا يكفون عن الإدعاء والتباهي والغطرسة والغرور. ونحن نعلم بأن فاقد الشيء لا يعطيه. لهذا كان من الضروري، إذا كنا صادقين ونزهاء ونعشق المسرح لذاته، أن نعمل على إعادة النظر في مكتسباتنا الفكرية، المعرفية، الفنية والمسرحية بهدف تعميق حصيلتنا الفكرية الثقافية وبلورة أدواتنا الفنية وقدراتنا المسرحية. فالموهبة تشترط ثقافة وتكوينا مسرحيا والتكوين يستلزم موهبة حقيقية.
3- الممارسة المسرحية المنتظمة : إذا كانت الموهبة تستلزم التكوين المسرحي الأكاديمي فإن هذا الأخير هو بحاجة إلى الممارسة المسرحية الشاقة، الطويلة، الكفيلة وحدها بتطوير موهبتنا الفنية واستثمار وتعميق تكويننا المسرحي في المعاهد ومدارس الفن الدرامي. بمعنى لا يمكن للكاتب أو الممثل أو المخرج أن يرقى إلى مستوى الفعل المسرحي الأصيل والخلاق، إلا بالجهد والعمل والممارسة الواعية . فالموهبة والتكوين غير كافيان لصنع ممثل مقتدر مثلا، بل لا بد لهذا الأخير أن يعمل على بلورة امكانياته التعبيرية بالعمل اليومي المنتظم. إذا كان هذا الأمر بديهيا لدى الممثل أو المخرج المسرحي الأوروبي، فإن الأمر ليس كذلك في العالم العربي، لأن الممثل يعتبر نفسه ممثلا مقتدرا وناجحا بمجرد تخرجه من معهد التكوين الدرامي، ناهيك عن الذي لم يستفد من أي تكوين يذكر. من هذا المنطلق على الفنان أن لا يصاب بالغرور القاتل لمجرد أنه اشتغل في الميدان لعامين أو ثلاثة أعوام أو حتى عشرين سنة، وبالتالي أن يتحلى دائما بالتواضع، وأن يساءل نفسه باستمرار، وأن يراجع أدواته التعبيرية بشكل متواصل من خلال الممارسة المنتظمة .
4- تخليق الحياة المسرحية : إن ما يحكم العلاقة بين المسرحيين بصفة عامة ليس الإتصال ولا الرغبة في التواصل ولا إرادة التعاون - أليس العمل المسرحي عملا جماعيا بامتياز؟- وإنما علاقات غير طبيعية، كالحسد والنفي والإقصاء والجشع والمنافسة غير الشريفة والغرور والإستعلاء... إلى غير ذلك من السلوكات التي تضر بشكل أساسي بالعمل المسرحي. والفنان الحقيقي هو الذي يتحلى بأدبيات المهنة التي تتلخص أساسا في المهنية أوالإشتغال بشكل إحترافي، فما المقصود بلفظ "مهنية"؟ بالإضافة إلى المدلول المتعارف عليه وهو الإتقان والمهارة، هناك مدلول أخلاقي في الغالب ما يتجاهله مسرحيونا: أشتغل بمهنية واحترافية معناه : أنا كفنان أحس بجسامة وأهمية مسؤوليتي، لهذا علي أن أشتغل بجدية وصدق، وأن ألتزم بأوقات العمل، وأن أحترم العمل الجماعي ، وأن أكون مستعدا للتواصل مع الزملاء، وأن أرحب بملاحظاتهم، وأن أحترم قاعة المسرح، وأن أتحلى بالتواضع الفني بالنزوع دائما إلى مراجعة الذات وبالتالي الرغبة في تطوير مؤهلاتي وملكاتي الفنية.... إلى غير ذلك من الأخلاقيات النبيلة التي تسمو بمشاعرنا وتهذب سلوكنا وتسمح لنا بالإضطلاع بعملنا بشكل جيد.
5- التمرد على الذوق العام : إن العيب الأساسي لمسرحيينا من كتاب ومخرجين وممثلين هو حرصهم الشديد على إرضاء الجمهور والإستجابة لرغباته وذوقه. أما المسرحي المبدع فهو الذي يفرض على المتلقي ذوقه الخاص، الأصيل والمتميز، بفضل مهارته وإتقانه لعمله. فلا يمكن لنا نحن العرب أن نخدم المسرح بمحاباة الجمهور ومجاملته والكذب عليه. لا يمكن للمسرح أن يتطور إلا بفضل شجاعة وجرأة بعض المسرحيين في خلق وتكريس أشكال فنية جديدة والتمرد على الأذواق العامة، الشعبية. إن الفن ذوق خاص ورفيع. والكاتب عندما يكتب مسرحية فهو لا يأخذ بعين الإعتبار متطلبات الناس ولا ينزل بكتابته إلى ما ينتظره العوام ولا الخواص منه، وإنما يكتب وفق نظرته الخاصة للعالم وللإنسان، وانطلاقا من هواجسه وانفعالات الشخصية ، وعلى ضوء ثقافته الفنية الخالصة.
6- الإشتغال من أجل المسرح أولا : والذي يعمل من أجل إرضاء الجمهور، هو في الواقع يسعى إلى الربح المادي والشهرة والنجاح. وهذا جرم من الجرائم المشاعة بين المسرحيين العرب، فلا حديث بينهم سوى عن "الكاشي" ولا هم لهم سوى ما إذا كان الجمهور سيحضر بكثرة، وما إذا كان سيستجيب الجمهور لفقرات العرض بالضحك والتصفيق ، في كلمة ما إذا كان العرص سينجح ... إلى غير ذلك من المعتقدات المغلوطة والمضرة بالفن المسرحي. إن المسرحي الذي يفكر أولا في المال والنجاح والشهرة والجمهور، لا يستحق هذه الصفة، وهو مجرد مسترزق، مرتزق ومتسول حقير.
7- التمرد على سلطة الدكاترة : المسرحي العربي يجر وراءه منذ عقود عقدة الجهل وقلة المعرفة، لهذا تجده يخشى كل ما له علاقة بالجامعة والثقافة والديبلومات الأكاديمية، وبالتالي يخاف من الدكتور- الناقد أو من الناقد- الدكتور. والواقع أن لا مبرر لهذا الخوف لأن الدكاترة النقاد في بلادنا يتفلسفون في المسرح وينظرون في فنون الفرجة من فراغ، ولا يشفع لهم سوى لسانهم وبلاغتهم في القول. ونحن أمة تخشى القول والخطاب وتستخف بالفعل والعمل. فكيف الحديث عن نقاد دكاترة أو عن دكاترة نقاد والمسرح لدينا لم يعثرعلى طريقه بعد؟ كيف الحديث عن تنظير ونقد بمعزل عن ممارسة مسرحية قوية؟ وهذا بالذات ما حصل منذ بداية السبعينيات حيث شرع بعض النقاد والمسرحيين بالتنظير للمسرح البديل بمعزل عن الممارسة الركحية المنتظمة والطويلة. فظهرت تيارات مسرحية عديدة (المسرح الإحتفالي، مسرح المرحلة، مسرح النقد والشهادة، المسرح الثالث....) تعطي الأولوية للنظر والتأمل والتنظير على حساب الممارسة المسرحية العنيدة. والدليل هو عدم صمود هذه الدعوات في وجه تاريخ المسرح . إن المعيار الوحيد والأوحد للمسرح البديل هو الممارسة المسرحية . فلا تخشوا أيها المسرحيون، بلاغة الدكاترة الجوفاء. ولا تتسرعوا في التنظير لأعمالكم. اشتغلوا واعملوا وجربوا أولا، أولا، أولا... ولا تهتموا بأقوال النقاد ولا بتهافت تنظيراتهم وخطبهم.